إرهاق زووم وتأثيره على النساء

الإرهاق الناتج عن اجتماعات زووم: لماذا يكون أسوأ بالنسبة للنساء؟

منذ بداية جائحة كوفيد-19، أصبحت أدوات الاتصال الرقمية مثل “زووم” وسيلة أساسية للتواصل في بيئات العمل والتعليم، خصوصاً في ظل قيود السفر والتباعد الاجتماعي. ومع استمرار استخدام هذه الأدوات في العديد من المجالات، أصبح تأثيرها على صحة العاملين أكثر وضوحاً. رغم أن الجميع قد يشعر بالإرهاق نتيجة لهذه الاجتماعات الافتراضية، إلا أن الدراسات تشير إلى أن الإرهاق الناتج عن اجتماعات زووم قد يكون أكثر تأثيراً على النساء مقارنة بالرجال. فبينما يعاني الجميع من ظاهرة “إرهاق زووم”، تشير العديد من الدراسات إلى أن النساء هن الأكثر تأثراً بهذه الظاهرة بسبب عدة عوامل بيولوجية واجتماعية ونفسية.

1. التوقعات الاجتماعية والضغط المضاعف

أحد الأسباب الرئيسية التي تجعل الإرهاق الناتج عن اجتماعات زووم أكثر تأثيراً على النساء هو الضغط الاجتماعي الذي يواجههن في مكان العمل. في العديد من المجتمعات، لا تزال النساء يحملن أعباء متعددة تتعلق بالتوقعات الاجتماعية المتمثلة في التوفيق بين الحياة المهنية والمنزلية. ففي بيئات العمل الرقمية، حيث لا يوجد فصل واضح بين الحياة الشخصية والمهنية، يصبح من الصعب على النساء إدارة هذا التوازن.

تستمر النساء في تحمل مسؤوليات أكبر في المنزل، سواء كان ذلك يتعلق برعاية الأطفال أو الاهتمام بالأعمال المنزلية. مع تفشي العمل عن بعد، أصبحت النساء في الغالب مسؤولة عن تنفيذ المهام المنزلية أثناء العمل، مما يؤدي إلى زيادة الإرهاق العقلي والجسدي. في الاجتماعات الافتراضية، قد يكون من الصعب الحفاظ على احترافية كاملة أثناء التحدث إلى الآخرين أو إظهار الاهتمام المطلوب، بينما تعاني النساء من ضغوط إضافية لإظهار التميز والجدية في هذه السياقات.

2. التحامل على الشكل والمظهر

عند الانخراط في الاجتماعات الافتراضية، يعاني الكثيرون من الشعور بعدم الارتياح بسبب مشاهدة أنفسهم في الكاميرا، وهي ظاهرة تعرف باسم “التصوير الذاتي المستمر” أو “المراقبة الذاتية”. لكن الدراسات تشير إلى أن النساء أكثر عرضة لهذا الشعور من الرجال، وذلك بسبب الضغط الاجتماعي المستمر على النساء لمتابعة معايير الجمال والمظهر الجسدي.

في بيئات العمل الافتراضية، تتعرض النساء لضغوط أكبر لمراقبة مظهرهن طوال الوقت بسبب التوقعات المجتمعية، مما يزيد من الضغط العقلي. يتطلب الحفاظ على صورة مثالية في كل اجتماع تكاليف نفسية كبيرة، حيث يؤدي ذلك إلى حالة من القلق المستمر. في المقابل، قد لا يكون نفس القدر من الضغط على الرجال لإظهار نفس الدرجة من الاهتمام بمظهرهم خلال الاجتماعات.

3. العبء العاطفي والاهتمام بالآخرين

النساء عادة ما يحملن العبء العاطفي الأكبر في العلاقات الاجتماعية، سواء في المنزل أو في بيئات العمل. هذا العبء العاطفي يشمل التعامل مع مشاعر الآخرين ودعمهم عاطفياً، وهو أمر قد يصبح مرهقاً عند تطبيقه في بيئة العمل الرقمية. في الاجتماعات الافتراضية، حيث يصعب قراءة لغة الجسد أو الإشارات غير اللفظية، قد تجد النساء أنفسهن مسؤولات عن محاولة فهم واستيعاب احتياجات الآخرين بطريقة قد لا يتطلبها الوضع بالنسبة للرجال.

هذا العبء العاطفي يزداد في البيئات الرقمية حيث تكون التواصلات أكثر سطحية، ويصعب نقل المشاعر الحقيقية والردود العاطفية. تضاف إلى ذلك الضغوط التي تتعرض لها النساء لإظهار التعاون والمساهمة الفعالة في المناقشات، مما يجعلهن عرضة للشعور بالإرهاق أكثر من الرجال الذين قد يواجهون هذه الضغوط بدرجة أقل.

4. التعدد في الأدوار داخل الأسرة والعمل

يضاف إلى الضغوط الاجتماعية المترتبة على عمل المرأة التحديات المتعلقة بالحياة الأسرية. أثناء الاجتماعات الافتراضية، قد تجد المرأة نفسها مطالبة بالتنقل بين دورها في العمل ودورها كأم أو ربة منزل. هذا التعدد في الأدوار يعزز من الإرهاق الناتج عن اجتماعات زووم، حيث يتعين عليها الحفاظ على توازن بين المسؤوليات المختلفة في الوقت نفسه.

في العديد من الأسر، لا يزال يُتوقع من النساء أن يكنّ المسؤولات الرئيسيات عن رعاية الأطفال وإدارة الأمور المنزلية. وهذا يتسبب في صعوبة التركيز الكامل في الاجتماعات الافتراضية، حيث تظل النساء منشغلات بشكل غير مرئي بالتحقق من الأطفال، وإعداد الطعام، والتعامل مع المهام المنزلية. مثل هذا الضغط المستمر يؤدي إلى استنزاف قدراتهن الذهنية والجسدية.

5. إرهاق العلاقات المهنية وتحديات التفاعل الاجتماعي

تعتبر الاجتماعات الافتراضية غالباً ساحة يتواصل فيها الجميع بشكل عادل. ومع ذلك، فقد أظهرت الأبحاث أن النساء قد يواجهن تحديات أكبر في بناء علاقات مهنية مستدامة في هذه البيئة الرقمية. في بيئة العمل التقليدية، يمكن أن تكون الاجتماعات الجسدية فرصة للنساء لبناء علاقات قوية مع الزملاء، لكن في بيئة زووم، قد يصبح الأمر أكثر صعوبة بسبب فوضوية التواصل الرقمي.

علاوة على ذلك، تميل النساء في الاجتماعات الافتراضية إلى الشعور بأنهن مضطرات إلى “إثبات أنفسهن” بشكل أكبر مقارنة بالرجال، مما يجعلهن أكثر عرضة للإرهاق الذهني نتيجة لمطالب العمل المزدوجة: إثبات كفاءتهن في العمل وفي الوقت ذاته الحفاظ على علاقات مهنية ودية.

6. الانعزال الاجتماعي ونقص التفاعل الجسدي

يلعب التفاعل الجسدي والتواصل الشخصي دوراً مهماً في الحفاظ على الصحة النفسية. الاجتماعات عبر زووم تفتقر إلى هذه التفاعلات الجسدية، وهو ما يؤثر سلباً على الأفراد بشكل عام، لكن النساء يجدن أنفسهن في وضع أكثر صعوبة بسبب عواقب العزلة الاجتماعية. الدراسات النفسية تشير إلى أن النساء قد يكن أكثر تأثراً بالعزلة الاجتماعية مقارنة بالرجال، نظراً لأنهن غالباً ما يفضلن تفاعلات أكثر قرباً وعاطفية.

هذا الفقدان للتواصل الاجتماعي الحقيقي يزيد من الإحساس بالانعزال والتوتر، مما يؤدي إلى شعور مستمر بالإنهاك الذهني والجسدي. في بيئة عمل افتراضية، حيث لا يمكن تبادل الأفكار غير الرسمية أو التفاعلات الاجتماعية البسيطة التي تحدث عادة في بيئات العمل التقليدية، تشعر النساء بأنهن معزولات أكثر مما يشعر به الرجال.

7. تأثير الفجوة في المشاركة والتعبير عن الآراء

أظهرت الدراسات أن النساء غالباً ما يواجهن تحديات أكبر في التعبير عن آرائهن والمشاركة في الاجتماعات الافتراضية مقارنة بالرجال. بسبب القيم الثقافية التي تحيط بالمرأة، يمكن أن تُتجاهل أو تُقلل من أهمية مشاركتها في العديد من المواقف، مما يجعلها تشعر بالإرهاق النفسي والاجتماعي. في الاجتماعات الرقمية، قد يكون من الصعب للنساء الحصول على نفس الفرص للتعبير عن أنفسهن، حيث تتضاعف هذه التحديات بسبب الطبيعة الرقمية للأدوات المستخدمة.

المشاركة في النقاشات قد تتأثر أيضاً بسبب ظروف العمل المزدوجة التي تتعامل معها النساء، مما يجعلهن يتجنبن التفاعل المكثف في الاجتماعات أو حتى يقتصرن على الردود المحدودة بسبب الضغط النفسي المزدوج.

8. حلول لتخفيف إرهاق زووم لدى النساء

لتخفيف تأثير الإرهاق الناتج عن اجتماعات زووم، يمكن اتباع بعض الحلول التي تساهم في تخفيف الضغوط المترتبة على النساء في بيئات العمل الافتراضية. من هذه الحلول:

• تنظيم أوقات الاجتماعات بشكل مرن: من خلال مراعاة توقيتات الاجتماعات بطريقة تتيح للنساء مزيداً من التحكم في أوقاتهن، مما يقلل من إجهادهن النفسي.

• دعم التوازن بين العمل والحياة الشخصية: تشجيع النساء على تحديد حدود واضحة بين العمل والحياة الخاصة، مما يساعدهن على استعادة طاقتهن الذهنية والجسدية.

• توفير استراحات منتظمة: تقديم فترات راحة قصيرة بين الاجتماعات الافتراضية يساعد على تجديد النشاط الذهني.

• مراجعة التوقعات الاجتماعية المتعلقة بالمرأة: يجب على المؤسسات تشجيع بيئات عمل أكثر دعمًا للنساء وعدم تحميلهن أعباء إضافية تتعلق بالأدوار المنزلية.

إن الإرهاق الناتج عن اجتماعات زووم يعد ظاهرة معقدة تؤثر على الجميع، ولكن بالنسبة للنساء، تتداخل العديد من العوامل الاجتماعية والنفسية لتجعلهن أكثر عرضة لهذا التأثير.